تخطى إلى المحتوى

صوموا وأفطروا لرؤية .. الحسابات الفلكية!

7 سبتمبر 2010

بعد قيام إمام صلاة الجمعة ليوم السادس من آب/أغسطس الفائت في المسجد الذي أصلي به بالتسليم على يساره منهيا صلاة الجمعة، قفز أحد مسؤولي الجامع – كعادة مسؤولي معظم جوامع أميركا – وأمسك بالمايكروفون ليلقي على جموع المصلين آخر الأخبار من أحداث وأنشطة تخص الجالية الإسلامية في المدينة – وهي عادة حسنة سيئة في أميركا تبقي المسلمين على تواصل مع آخر مستجدات جاليتهم ولكنها أضحت كخطبة ثالثة تلي خطبتي الجمعة، أوليست خطبة الجمعة مخصصة لطرح شؤون المسلمين؟ على العموم يحتاج العمل الإسلامي والعربي (هل هناك حقا من عمل “عربي”؟!) في الولايات المتحدة إلى نقاش طويل ومقالات عدة لا يتسع له المجال هنا -. وبيت القصيد في ما أود قوله هنا هو قيام هذا المسؤول بالإعلان عن كون الأربعاء الموافق 11 آب/أغسطس هو غرة شهر رمضان المبارك – ولمن لا يعلم، فإن موضوع تحديد بداية ونهاية شهر رمضان في الولايات المتحدة مختلف بطبيعة الأمر عن الدول الإسلامية، فليس هناك وزارة أوقاف أو مفتٍ عامٌ ليتولّى هذه المهمة، بل يعود القرار هنا لمجالس إدارة المساجد المختلفة، وليس غريبا أبدا أن تجد مسجدين في مدينة واحدة يصومان في يومين مختلفين ويعيّدان في يومين مختلفين، ولك أن تتخيل ما قد ينشأ من مشاكل نتيجة لاختلاف وجهات نظر بعض أفراد الجالية الإسلامية عن قرار إدارة المسجد، فالبعض يريد أن يصوم مع بلده والبعض يريد أن يتبع الحسابات الفلكية والبعض يريد أن يتحرى الهلال والله المستعان.

ليست هذه المرة الأولى التي يتّبع فيها جماعة من المسلمين الحسابات الفلكية (وأنا أُحسن الظن هنا، فأخونا المسؤول لم يوضح لنا دليله في توقيت بداية رمضان! ولم يقل لنا إن كان رأى هلالا هنا أو هناك أو اعتمد على حسابات فلكية .. فقط خرج علينا وقرّر أن رمضان يوم الأربعاء!) فكلنا يعلم أن هناك مشايخ يتبعون هذا الأسلوب ودول إسلامية تتبع هذا الأسلوب وجماعات ومنظمات إسلامية (في أميركا مثلا) تتبع هذا الأسلوب. لكن الشيء الملفت هذه المرة، على الأقل بالنسبة لي، هو الجرأة في الإعلان الجازم بموعد قدوم رمضان قبل خمسة أيام من موعده دون مراعاة لتحري الهلال تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” حيث درجت عادة متبعي المذهب الفلكي في أن يموّهوا قرارهم بأن يعلنوه ليلة تحري الهلال فيختلط على المسلمين الأمر ويبدو وكأنهم تحروا الهلال كغيرهم. وأنا هنا لست ضد الاستئناس برأي الفلكيين أبدا، بل أراه أمرا جيدا ومن الضروري أن نُدخل العلم في حياتنا ونستفيد مما يمكن أن يقدّمه لنا من ميزات وفوائد، ولكن – برأيي الشخصي وهو ليس رأيا دينيا فقهيا بل وجهة نظر أبنيها على ما يفهمه عقلي وما يقوله المنطق وما سمعته من أهل الاختصاص – الحديث واضح، فالصوم لرؤية الهلال، يعني إن رأيتم الهلال فصوموا، وبقية الحديث: “… فإن غُمّ عليكم فأتموا عدة شعبان ثلاثين” يعني إن لم تروا الهلال لأي سبب كان كأن يحجبه الغيم مثلا فلا تصوموا (أتموا شعبان). وعلى ذلك فالرؤية بالعين المجردة ضرورية لتحديد موعد بداية ونهاية شهر رمضان تحديدا فالنص ورد في هذا الشهر دونا عن غيره من الأشهر.

إذاً، فما بالنا نريد أن نلتف ونتحايل على الحديث استسهالا أو جهلا أو لغايات أخرى في النفوس؟! أحد الأخوة الأعزاء في بوسطن كان يقول مازحا – وأنقل قوله هنا بطريقتي – “لو كان رمضان مناسبة أميركية لقام الأميركيون بصناعة حدث تلفزيوني مثير ليلة تحري الهلال ولكان جموع الأميركيين ينتظرون نتيجة التحري والنقل التلفزيوني ينتقل ما بين الاستديو والمراسلين المختلفين في أنحاء أميركا من مناطق التحري وثم لانطلق الأميركيون باحتفالات عند إعلان النتيجة ولقام المراسلون باستطلاع آراء المواطنين وتحضيراتهم للشهر”. طبعا هذا من باب الطرفة ولكن أليس حقا أن العرب والمسلمين يتعاملون بطريقة مستهترة روتينية مملة مع الأحداث الهامة التي تخصهم بينما يلقي الغرب اهتماما أكبر لأحداثهم ويبثون فيها حياة ربما أكثر مما تستحق في كثير من الأحيان؟

أكتب هذه السطور ونحن نودع السويعات الأخيرة من الليلة الثامنة والعشرين، والأمور تتجه لأن يكون العيد يوم الجمعة فلكيا، وهذا ما قد تسير عليه معظم الأمة الإسلامية، وإن كنا نذمّ اللجوء حصرا للحسابات الفلكية في تحديد يوم الصوم والفطر إلا أني لا أخفي سعادتي بتوحّد السواد الأعظم من الأمة الإسلامية في بدء شهر رمضان (ولا أدري لماذا تصر إحدى الدول على الصوم بيوم مختلف عن جاراتها كل عام لتصبح إحدى الدول القليلة جدا التي خالفت إجماع المسلمين هذا العام!) وأتمنى أن يتوحدوا أيضا في تحديد يوم الفطر ولو كان ذلك عملا بقاعدة وحدة المطالع التي نصّت عليها بعض المذاهب، فنحن أمة واحدة ورمضان يجب أن يكون مناسبة جامعة موحّدة للمسلمين. أسأل الله أن يجمع قلوب وعقول هذه الأمة على الخير والحق ويهيئ لهم أمرا رشدا .. وكل عام وأنتم بخير وعساكم من عوّاده.

From → إسلاميات

3 تعليقات
  1. رامي permalink

    مع احترامي لرايك ياسيدي العزيز الا انك بنيته على حديث احاد دون في القرن الثاني للهجرة واحاديث الاحاد احاديث تفيد الظن ولا تفيد اليقين هذا من ناحية ومن ناحية اخرى انت لست مطالبا ابدا بأن تؤمن باي حديث غير القران تطبيقا لقول الله سبحانه وتعالى (تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله واياته يؤمنون )ارجو ان تكون وصلتك وجهة نظري بالموضوع فأنا ارى اعتماد الحسبات الفلكية لانها لاتكذب
    وشكرا لكم

  2. استغربت من الكاتب الكريم عدم الرد … مع انه الرد واضح جلي..
    أخي الكريم بقولك هذا انت تتجه ل تهميش السنة مثلا!
    دعنا نقول على سبيل المثال : فرضت علينا الصلاة اليس كذلك!
    كيف عرفنا كيف نصلي و عدد ركعات كل صلاة وووو هل ذكرت بالقرأن!
    اضف لذلك قولك مخالف لقوله تعالى:
    ‏{‏وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏
    دل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى‏.‏
    وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ}
    أي‏:‏ لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى
    و انا ردي الجازم على ما تقول :
    (فبأي حديث بعد الله واياته يؤمنون)
    هنا يكمن التقدير للعلم الديني ، مع عدم الاغفال للعلم الدنيوي ، لاننا امرنا بعمارة الارض ولكن !! بعد ايماننا و عملنا بتوحيد الله و عبادته .

  3. لم أرد لانشغالي بقضايا تختلف تماما عن هذه الجزئية المطروحة هنا، وكان في نيتي العودة ولكن مع كم الدماء والتضحيات التي يقدّمها السوريون في ثورتهم يصعب التطرّق لقضايا أخرى .. وعموما ردك كان مناسبا تماما وأوفيت التعليق الأول حقه.

    شكرا لكما على التعليق

أضف تعليق